من روائع القصص
قال الأصمعيّ رحمه الله: أقبلت ذات مرّة من مسجد البصرة، إذ طلع أعرابيّ جلف جاف
على قَعُودٍ له متقلّدا سيفَه، وبيده قوسُه، فدنا وسلّم، وقال: ممّن الرّجل ؟ قلت: من بني
أصمع. قال: أنت الأصمعيّ ؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلت ؟ قلت: من موضع يُتلَى فيه
كلام الرّحمن. قال: فَاتْلُ عليّ منه شيئا. فقرأت:{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} إلى قوله:
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} فقال: يا أصمعيّ ! حسبك.
ثمّ قام إلى ناقته، فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها. ففرّقناها على من
أقبل وأدبر، ثمّ عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت الرَّحل وولّى نحو البادية،
وهو يقول:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فمقتُّ نفسي، ولمتُها.
ثمّ حججت مع الرّشيد، فبينما أنا أطوف، إذا أنا بصوت رقيقٍ، فالتفتّ، فإذا أنا بالأعرابيّ وهو ناحل مصفرّ، فسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتل عليّ كلامَ الرّحمن. وأجلسني من وراء المقام، فقرأت:{وَالذَّارِيَاتِ} حتّى وصلت إلى قوله تعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال الأعرابيّ: لقد وجدنا ما وعدنا الرّحمن حقّا. وقال: وهل غيرُ هذا ؟ قلت: نعم يقول الله تبارك وتعالى:
{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذّاريات:23]، قال: فصاح الأعرابيّ، وقال:
يا سبحان الله ! من الّذي أغضب الجليل حتّى حلف ؟! ألم يصدّقوه في قوله حتىّ ألجئوه إلى اليمين ؟! فقالها ثلاثا، وخرجت بها نفسه "
لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب
تعليقات
إرسال تعليق